مركزية قصيدة النثر في نتاج جبران خليل جبران - الدكتور كامل فرحان صالح - مجلة الحداثة عدد 199 - 200 ربيع 2019.pdf
مستخلص عن بحث : ملامح قصيدة النثر في نتاج جبران خليل جبران كامل فرحان صالح * يتكئ هذا البحث على فرضية مفادها أن الأديب اللبناني جبران خليل جبران (1883 – 1931) كتب "قصيدة النّثر"، وبشّر بها، قبل أن يتبلور مفهومُها، وبنائيةُ كتابتها عربيًّا في وقتٍ لاحقٍ من القرن العشرين. وإذ يبدو إثبات هذه الفرضية ممكنًا من خلال ما تحتويه سلّة جبران الابداعية، وقد تنوّعت في محتواها وأشكالها وأنواعها ومضامينها ، فإن الصعوبة تكمن في استخلاص نماذج شعريّة تنتمي إلى هذه القصيدة في هذا الكم الثّري من انتاج جبران الأدبي. لعل من ضمن الصعوبات الملحوظة بدايةً، هو وضع إطار يحدد الفرق بين "الشّعر المنثور" و"قصيدة النّثر"، وإزالة اللبس بينهما، على الرغم من سعي النقد العربي الحديث إلى تحديد خصائص كلّ نمط، ومن ذلك، إن "الشّعر المنثور" يخضع لشكل من التلوين الموسيقي الخارجي المعتمد على بعض الزخرفية اللفظية، وهو بذلك يقترب من "الشّعر المرسل" . أما "قصيدة النّثر" فهي قفزة خارج الأطر والحواجز المقررة المفروضة في أشكال الشّعر المتعارف عليها، وهي بالتالي، تمرد على جميع القوانين الشّعرية السابقة. لذلك، تعتمد هذه القصيدة على صورتها الموسيقية الايقاعية الذاتية الخاصة ، فإذا كان البيت هو الوحدة في "قصيدة الوزن"، فإن النصّ كلّه هو الوحدة في "قصيدة النّثر"، ولا بدّ لهذا النصّ من التنوع، بحسب التجربة/ الصدمة. تكمن الصعوبة أيضًا، في تأطير النماذج الشّعرية الجبرانية، ووضعها في خانة نوع شعري هو نفسه لم يستقر على حال، أو إطار محدد، أو خصائص محددة. إذ لا يزال عالم "قصيدة النّثر" العربية مفتوحًا على التجريب، والتجديد، والتغيير، حيث تخلق هذه القصيدة موضوعات جديدة باستمرار، من دون التزام قالب سابق، فيكون لكلّ قصيدة قالبُها الخاص بها، أي يكون "مخلوقًا ومرتجلاً للغرض الذي تتناوله كلّ قصيدة"، ما يجعل القصيدة هي مثال نفسها من دون أن تتبع مثالاً ما في الماضي. وتقرّ الناقدة الفرنسية سوزان برنار (Suzanne Bernard/ 1932 – 2007) في كتابها "قصيدة النّثر: من بودلير إلى أيامنا" ، بهذه الصعوبة، عندما تؤكد أن "قصيدة النّثر تحيّرنا بتعدد أشكالها" ، إلا أنها تستدرك لتقول: "ولدت قصيدة النّثر من تمرد على الاستعبادات الشّكلية التي تحول دون أن يخلق الشاعر لنفسه لغة فردية، والتي تضطره إلى أن يصبّ مادة جمله اللدنة في قوالب جاهزة" . بيد أن "قصيدة النّثر" تنكر على نحوٍ تام، قوانين علم العروض، وترفض أن تنقاد للتقنين، وتفسر الإرداة الفوضوية الكامنة في أصلِها، تعدد أشكالها، كما تفسر الصعوبة التي يواجهها المرء في تحديد هويتها ومعالمها. لعل هذه الصعوبة التي يلحظها البحث في العودة إلى نموذج مثال لـ"قصيدة النّثر"، هي نفسها ستكون جسرَ خلاصه، إذ يمكن لقارئ جبران أن يتلمس، من مجمل كتاباته، هذا القلق الحاد والتوتر العالي، بحثًا عن شكلٍ جديد لما يريد قوله، وقد أمضى حياته بحثًا عن جسد لروح...